vendredi 22 mai 2020

إلى إخواننا في متر(هم) المربع في السجن

ترجمة لنص قرئ بالفرنسية على راديو كورونا


غدا، أو بعد غد، سيحل العيد.. سيكون من أغرب الأعياد. الأصل في العيد أن ننسى المصاعب والآلام لنعبر عن الأماني، ونستحضر السعادة ونستظهر التفاؤل. وأنا، كحال كثير منا، لا يعوزني التفاؤل .
ما حققه الجزائريون، في ظل التنوع والتعدد، خلال سنة من الحراك مهم. في الثاني والعشرين من فيفري الماضي كتبت مقالا قلت فيه إن بلادنا عاشت سنة خير من ألف شهر. ألف شهر هي ثلاث وثمانون سنة، إنه زخم مذهل. فالحراك رمم صورة الجزائر التي ألحق بها النظام ضررا كبيرا عندما جعل الرئاسة تتمظهر في مريض . 
بفضل شبابه، المبدع والمفعم بروح الدعابة، تخلص البلد من الضباب الذي كان يغشى الأبصار ويحجب الأفق. لقد صنع الشبان من الحراك عيدا ووعدا، لكن المذهل هو إدراكهم العميق بأن لا شيء سيمنح وأن عليهم التحلي بالصبر.
خيار السلمية كان يعني منذ البداية الانخراط بصبر في عمل طويل، والأهم أن الحراك وضع مسألة الحريات في قلب كل شيء، لقد كان ذلك هو الأهم، وعلى هذا الصعيد بالذات يخوض النظام هجومه المضاد سعيا لتغيير موضوع النقاش بمناورة بعث الجدل حول مسائل الهوية، وهنا يكمن مصدر التفاؤل، فالدفاع عن الحريات قضية شعبية، وليست مجرد مطلب للبرجوازية الصغيرة.
لا عناء لدي في أن أكون متفائلا، لكنني أجد صعوبة في استحضار السعادة عشية العيد. كيف نتحدث عن السعادة في حين يقبع جزائريون في السجن لأنهم عبروا عن آرائهم وأفكارهم، أو لأنهم، كما هو حال الصحافيين، أنجزوا عملهم؟
لا أقوى على ترديد تلك العبارة البائسة: "الحبس للرجال" التي عادة ما تقال مواساة لأولياء المساجين، لأن ذلك غير صحيح. في بلد مستقل، وتحرر بتضحيات مئات الآلاف من النساء والرجال، السجن لا يكون للرجال أو النساء الذين يعبرون عن أفكارهم. السجن للصوص، والمغتصبين، والمجرمين.
منذ أيام ينشر صديقي أمين خان صورا تعريفية لأبطال الحركة الوطنية وحرب التحرير، وما يثير الانتباه انهم كانوا في ريعان الشباب وفيهم نستشعر العزيمة. كثير من هؤلاء الرجال دخلوا السجن وكان ذلك عاديا في مسار مكافح تحت الظلم الاستعماري، لكننا اليوم بلد مستقل وليس معقولا أن يسجن أبناء مكافحي الأمس لمجرد أنهم طالبوا بالمواطنة والحرية. 
إن النظام اليوم يخوض قتال حرس خلفي، ويصر مرة أخرى على إضاعة الفرص، لأن هذا النظام يهدر الموارد ويبدد الوقت وطريقة تجاوبه مع المطالب المواطنية تؤكد ذلك. إن اختيار طريق القمع والتسلط لن يقود إلا لمزيد من الاستياء والغضب، وهو إصرار على تفويت الفرصة التاريخية للمساهمة، مع الحركة الشعبية، في إخراج البلاد من المأزق.
في الأفق تلوح مصاعب كبرى لا يمكن تسييرها إلا في ظل دولة تستفيد من انخراط وتجند الأغلبية، والاعتقاد بأن العراك يمكن أن يعوض الانخراط الحر يمثل مجازفة خطرة بمستقبل البلاد، ووحدته، وسيادته، إنه خيار مجنون.
في أوت 2012، وفي سطيف، ألقلى بوتفليقة واحدا من خطاباته الأخيرة وقال فيه "طاب جناننا"، بالطبع لم يتبع ذلك التصريح أي فعل (كان يخرط)، لكن التوصيف كان صحيحا، وعبارة طاب جنانهم تنطبق على بوتفليقة كما تنطبق أيضا على نظام متآكل، ومبذر وفاسد إلى درجة فاقت حدود الخيال كما أظهرت ذلك محاكمة أويحيى وشركائه. 
مهما تضاءلت حظوظنا في أن يسمع الحكام صوتنا فعلينا أن نسائل فيهم العقل والحكمة: العالم سيصبح أكثر خطورة، وأكثر تعقيدا، ووحده انخراط حر للجزائريين في إطار دولة قانون يسمح بتسيير الصدمات القادمة والتقدم إلى الأمام. الحراك يقول لكم إن الجزائر يمكن أن تكون حديقة غناء إذا كف نظام طاب جنانو عن تجفيفها، وترك شبابها يروونها بالذكاء والثقافة والعمل. 
أذكر معتقلينا وعائلاتهم، فأنا أعرف والد ووالدة خالد درارني، وما أرغب في قوله لهم ينسحب أيضا على عائلات المعتقلين جميعا: لكم أن تفخروا بأبنائكم، هم من ينيرون لنا الطريق، إنهم الجزائر التي أفاقت من سبات عميق وستمضي قدما إلى الأمام.
أختم بقصيدة لمحمود درويش عنوانها "متر مربع في السجن". 

متر مربع في السجن

هو البابُ، ما خلفه جنَّةُ القلب. أشياؤنا
- كُلُّ شيء لنا - تتماهى. وبابٌ هو الباب
بابُ الكنايةِ، باب الحكاية. بابٌ يُهذِّب أيلولَ
بابٌ يعيد الحقولَ إلى أوَّل القمحِ.
لا بابَ للبابِ لكنني أستطيع الدخول إلى خارجي
عاشقًا ما أراهُ وما لا أراهُ
أفي الأرض هذا الدلالُ وهذا الجمالُ ولا بابَ للبابِ؟
زنزانتي لا تضيء سوى داخلي
وسلامٌ عليَّ، سلامٌ على حائط الصوتِ
ألَّفْتُ عشرَ قصائدَ في مدْح حريتي ههنا أو هناك
أُحبُّ فُتاتَ السماءِ التي تتسلل من كُوَّة السجن مترًا من الضوء تسبح فيه الخيول
وأشياءَ أمِّي الصغيرة
رائحةَ البُنِّ في ثوبها حين تفتح باب النهار لسرب الدجاجِ
أُحبُّ الطبيعةَ بين الخريفِ وبين الشتاءِ
وأبناءَ سجَّانِنا، والمجلاَّت فوق الرصيف البعيدِ
وألَّفْتُ عشرين أُغنيةً في هجاء المكان الذي لا مكان لنا فيهِ
حُرّيتي: أن أكونَ كما لا يريدون لي أن أكونَ
وحريتي: أنْ أوسِّع زنزانتي: أن أُواصل أغنيةَ البابِ
بابٌ هو البابُ: لا بابَ للبابِ
لكنني أستطيع الخروج إلى داخلي، إلخ.. إلخ



Aucun commentaire: