lundi 27 juillet 2020

ماري تيريز برو،"لاسورات"، أخية الأحياء الشعبية

ماري تيريز برو - 1 مايو 2018

بين حسين داي، ليڨيي، واد أوشايح، لاڨلاسيار وبوروبة، عندما ننطق اسمها، نفعل ذلك باحترام. هي امرأة خيرة، تعودنا على القول بأنها "مولات خير". انها " لاسورات"، الأخية. كنا نسميها هكذا وما زلنا نسميها هكذا. اسمها ماري تيريز برو، إنها امرأة استثنائية وليس في الوصف أدنى مبالغة.

ولدت ماري تيريز سنة 1934 بحسين داي، شارع قسنطينة، الذي سيصبح مع الاستقلال شارع طرابلس. هي تنتمي إلى تلك الفئة من المسيحيين التقدميين من أصول أوروبية الذين صدمهم الفقر المدقع الذي كان يقبع فيه الجزائريون، فانخرطوا في العمل الاجتماعي. منهم، الأب جان سكوتو، وهو الآخر ينحدر من حسين داي، والذي سيصبح بعد الاستقلال أسقفا لقسنطينة وعنابة، أي الخليفة المتأخر للقديس أوغسطين؛ وأيضا بيار شولي، والذي تزوج من كلودين، في كنيسة القديس جان في حسين داي، وقد أشرف على عقد القران جان سكوتو نفسه.

هؤلاء المسيحيون، مثل القس دوفال وآخرون، أبطال بأتم معنى الكلمة. لقد واجهوا وتجاوزوا  الحتميات الاجتماعية، والدينية والمجتمعية دفاعا عن الإنساني،  عن الكوني. نحن محظوظون أن يكون لنا في تاريخنا، الذي يجب أن نتعرف عليه أكثر من أي وقت مضى، رجال ونساء من أصول أوروبية كانوا مثالا في رفض الانكفاء على الذات ومدافعين عن رؤية سخية، منفتحة وأخوية للجزائر.

ماري تيريز، ابنة حسين داي، ستكتشف، عند مرافقتها لوالدتها، الممرضة، البؤس المطلق السائد في حي واد أوشايح القصديري. حينها انخرطت في العمل الاجتماعي، وكان ذلك نهائيا ولم تتوقف إلى يومنا هذا. ورغم تهديدات الجيش الفرنسي للمسيحيين التقدميين، المشتبه في دعمهم لجبهة التحرير الوطني، وبعدها أعمال العنف التي اقترفتها منظمة الجيش السري، فإنها لم تتراجع. في سنة 1960 انضمت إلى جمعية التكافل الشعبي العائلي، وما زالت فيها إلى اليوم.  

لسماع التدخل في راديو كورونا . انقر هنا

مع الإستقلال، كانت في المكان المسمى كارانا، بين ليڨيي وواد أوشايح، حيث كنا نلعب مباريات ملحمية في كرة القدم. هناك كان، ولا يزال، المركز الصغير لماري تيريز. مبان صغيرة من البناء الجاهز محاطة بحديقة متميزة كان يعتني بها السيد بوزيان، رجل صلب، قليل الكلام، لكنه مدمن على العمل. كان مستوصفا،  ونوعا ما روضة أطفال . عندها قرأت أول كتاب في حياتي.

مع الوقت أدركت ماري تيريز أن العائلات تخفي أطفالها المصابين بإعاقات ذهنية وكأنهم عار. قررت أن تتكفل بالأمر، حسب روحها العنيدة. قامت بإحصاء هؤلاء الأطفال المخفيين وفتحت، في مركزها، أول قسم لمحو الأمية المكيفة مع الإعاقة. نجحت في تغيير نظرة العائلات. اتسع نشاطها وتحول إلى نموذج. لكن الجمعية رفضت أيضا إهمال هؤلاء الأطفال عندما يصيرون بالغين وبدأت في إنشاء مركز للمساعدة على العمل. خمسة مراكز للمساعدة على العمل تم إنشاؤها، بوروبة، بوبصيلة، حسين داي... أكثر من 400 شاب رافقتهم الجمعية بمشاركة الأولياء. 

مع بداية شهر ماي من كل سنة، تنظم الجمعية يوما لبيع المنتجات الممتازة من عمل المعاقين. في سنة 2019، كانت ماري تيريز التي خضعت الى عدة عمليات جراحية في الجزائر ثم في فرنسا، حاضرة. لقد ابهرني العدد المدهش لأولياء هؤلاء المعاقين الذين كانوا يمرون سريعا بمكتبها فقط ليقولوا لها: نحبوك. "نحن نحبك".

سعيد! احذر أنا لست قديسة"، هذا ما قالته لي بصوت جهوري وهي تطلق ضحكتها الصاخبة. لا أدري إن كانت ماري تيريز قديسة، لكن بالنسبة لكثير من نساء ورجال الأحياء الشعبية، هي بركة حقيقية. ثلاثة أجيال من الجزائريين على الأقل في هذه الأحياء عرفوها واحترموها لإصرارها على فعل "ما يجب" لفائدة الأكثر فقرا، الأكثر ضعفا.

لقد تعلم الجميع أن يحبوها لسخائها الباذخ، قدرتها الفريدة على مواجهة، والتغلب، في بعض الأحيان، على العوائق الكبيرة التي تجيد الإدارة الجزائرية وضعها في طريق النساء والرجال من ذوي الإرادات الطيبة.

المعلم الأول

حياة كاملة في خدمة البسطاء ثم المعاقين، ما خلق صلات قوية وكثيفة صمدت حتى عندما بدأت الجزائر تتمزق وأبناؤها يتقاتلون. في أوج سنوات التسعينيات الدامية والعبثية، بقيت ماري تيريز برو معنا، في حيها. محمية، كما كانت تقول، دون علمها. لكن نحن، كنا نعلم. لقد كانت محمية بقلبها الكبير، بعطائها الذي لا حدود له.في هذه المناطق التي شهدت الشدائد في تلك السنوات، لم يجرؤ أحد على أن يوجه لها كلمة غير لائقة، كان ذلك يعني الوقوع في أسوأ خطيئة. قلة ذوق لا تغتفر!

 ماري تيريز برو قديسة؟ بالنسبة لكثير منا، نساء وأطفال- وهم يعدون بالمئات-، هي فوق كل شيء المعلم الأول. بالمعنى المطلق. المعلم الذي جعل الناس يكتشفون الكتب، وعلمهم كيف يعالجون، والذي اظهر بأن "الآخر" يشبهنا "نحن" كثيرا. بل أنه "نحن".

  في أحيائنا الشعبية، ذكر"الأخية" ينير الوجوه على الفور. تعجز الكلمات على ترجمة هذا المزيج من الاحترام والإعجاب الذي تثيره. دون الحديث عن عرفان أولئك، وهم كثر، الذين تغيرت حياتهم بلقائها.  

تذييل: كلمة أخيرة: مع أزمة كوفيد-19 تكون جمعية التكافل الشعبي العائلي قد واجهت مصاعب. الذين يستطيعون، ويرغبون في المساعدة، فإن مركز المساعدة على العمل يوجد بحسين داي، مباشرة أسفل محطة ميترو البحر والشمس. هذا سيسعد ماري تيريز.