الشعب هو البطل الوحيد": مقاومتنا لطمس التاريخ"
الجزائر، 22 فبراير 2019 ـ ـتصوير خالد درارني |
الخامس جويلية 2019 كان يوم جمعة، الجمعة العشرون من الحراك. كان خامس جويلية
استثنائيا، مهيبا، حيا، ديناميكيا، احتفاليا. حتى ذلك الحين، أيام الخامس جويلية
كانت إلى حد كبير روتينية تطبعها الزيارات الرسمية البروتكولية في المقابر أو
النصب التذكارية للموتى. وفي السنوات الأخيرة، أضيف لنا طقس "عبد
الكادر" الذي تسلل إلى كل مكان. والذي كان، بالطبع، يثير غضبنا الشديد ولم تكن عيون
وآذان السلطة لترى أو تسمع هذا الغضب. ثم إن بوتفليقة نفسه، عندما لم يكن لديه
زوار أجانب يمرون لإثبات بأنه موجود وبأن لديه فائض"حيوية" (alacrité)
قابلا للتسويق، كان ينقل، مربوطا إلى كرسي متحرك، لوضع إكليل من الزهور في مربع
الشهداء بمقبرة العالية. صورة صارخة عن نظام جامد يعقر التاريخ ويهينه بفصله
عن الناس والحياة.
ذلك الخامس من جويلية 2019 كان مختلفا، عاود شعار "الشعب هو البطل
الوحيد" الظهور للمرة الأولى منذ 1962. وللمرة الأولى، بدا لي واضحا وبشكل لا
لبس فيه. متحررا من الكلام الجديد (نيوسبيك - Novlangue)
للنظام الذي سعى إلى تجريد التاريخ من لحمه وإفراغه من حيويته ومعناه. جورج أورويل، كاتب رواية 1984، اخترع شخصية تعمل في "وزارة الحقيقة"
يتمثل دورها في تصحيح التاريخ وفقا للأحداث، إخفاء الشخصيات المغضوب عليها من
أرشيف الصحف، ومحو وقائع من الماضي تعتبر مضرة بالسلطة وخلق شخصيات وهمية.
حتى لو لم تكن لها الفعالية المخيفة لشخصية "الأخ الأكبر" التي
نجدها في رواية 1984، فإن هذه العملية الجزائرية لتعقير وإخفاء التاريخ كانت
موجودة فعلا وكان لها تأثير.. بدأ هذا مع شعار "الشعب هو البطل الوحيد" الذي
أطلقه خصوم الحكومة المؤقتة في صيف عام 1962، واستعمل بعد ذلك لفترة طويلة لطمس
التاريخ، وتحويله إلى مجرد سلسلة من التواريخ والحركات بدون مسؤولين أو أبطال،
تاريخ مجرد بدون الرجال والنساء الذين صنعوه.
طمس التاريخ هذا بدأ حتى مع يوم الاستقلال نفسه. في الحقيقة، تحقق الاستقلال
يوم الثالث من جويلية، وليس في الخامس منه. أحمد بن بلة هو من قرر فرض تاريخ
الخامس جويلية، "زعما" لمحو الخامس جويلية 1830، يوم الاستسلام. غير أن
التاريخ هو التاريخ، لا يمكن أن يمحى بأمر رئاسي.
شعار "الشعب هو البطل الوحيد" خدم مشروعا لمحو منهجي للفاعلين والعمل
السياسي النضالي الجبار الذي قاموا به من أجل الاستقلال. ذكرنا الثلاثاء
الماضي عودة بوضياف في جانفي 1992، وكان بوسعنا أيضا أن نشير إلى أنه كان رجلا
مجهولا تماما لدى كثير من الشباب، وحتى لدى الأكبر سنا.
والذي منع أنصار "الكلام الجديد" الجزائري من النجاح الكامل
لعملية المحو بشكل كامل هو أن التبليغ العائلي للتاريخ كان فعالا.... دون أن ننسى
الكتب على قلتها في العشرية الأولى من الاستقلال والتي كانت تتمكن من التسلل إلى
البلاد.
كانت رباعية إيف كوريار، حرب الجزائر، تتبادل سرا، كمن يقرأ جرما. هناك
تعلمنا التعرف على الأسماء التي تم محوها، والوقائع التي حجبت والجثث المخبأة
في الخزائن. ثم جاء كتاب محمد حربي " جبهة التحرير الوطني، الأسطورة
والواقع".
أذكر عندما وقع بين يدي كتاب مذكرات مكافح لحسين آيت أحمد، الذي صدر سنة 1982،
كم كنت مفتونا بعظمة وإيثار وتضحية المناضلين الذين لم نكن نعرفهم. لاحقا، ترجمت
هذا الكتاب إلى العربية، مع زينب قبي وشعرت بالسحر نفسه.
بين التلقين العائلي والكتب التي كان يتم تبادلها سرا، كنا نكتشف، عكس كراهية
الذات التي تم بثها، كم كنا جديرين بالفخر والاعتزاز بتاريخنا. مع الحراك،
اكتشفنا بسعادة أن ذاكرتنا لم تمحى، وإن بقيت التباسات قائمة. هذا هو الذي جعل من
شعار "الشعب هو البطل الوحيد" في سنة 2019 تأكيد للتاريخ وليس
طمسه.
حمل الجزائريون صور أبطالهم، كانوا سعداء بأن يكونوا رفقة أبطال أحياء، مثل جميلة بوحيرد أو الرائد لخضر بورقعة. هذا التاريخ الذي يتحدثون عنه ليس محنطا، ولا محيدا، إنه حاضر، وبثراء عميق جدا وهو يتراكم. إنه تذكير بالأساسيات للقول بأن مبتغى قرن من الكفاح لم يكن يقتصر على إقامة دولة جزائرية براية وحدود. بل إن مبتغاه، الذي مازال علينا افتكاكه، هو حرية الجزائريات والجزائريين في دولة حرة ومستقلة. إذا كانت الجزائر مستقلة، فإن على الجزائريات والجزائريين افتكاك الحرية وإقامة ديمقراطية غير مزيفة. التاريخ لهم.
المجد والخلود لشهدائنا! الشرف لأبطالنا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire