لا نعرف يقينا متى ظهر شعار "وان تو
ثري فيفا لالجيري"، يعيده البعض إلى منتصف خمسينيات القرن الماضي. في الأصل
يكون شعارا وطنيا بالإنجليزية و وانت طه بي فري We want to be free والذي يعني نريد أن نكون أحرارا،
والذي تعرض إلى الاختزال في عبارة إلى “want to free viva l’Algérie” ثم صارت وان تو ثري(1).
بعدها جاءت صيحات كرة القدم والاستعمالات
الأخرى، الأقل جاذبية، الأكثر إشكالية وتسيسا، التي نسخر منها بلطف أو بقساوة حسب
الظروف. نتذكر وزير الصحة السابق، عبد المالك بوضياف، الذي كان يؤكد على أن
المستشفيات الجزائرية أفضل من تلك الموجودة في أمريكا وأوروبا. ولأن المبالغة كانت
ضخمة فقد انتهى به الأمر إلى اتهام شبكات التواصل الاجتماعي بإساءة فهم قصده.
في سنوات التسعينيات، كان المسؤولون
الجزائريون يصرون على القول بأن الجزائر تملك "الصحافة الأكثر حرية في العالم
العربي" كان ثناء جميلا على النفس. ثم إننا ما زلنا نسمعهم يقولون بأن
الجزائر هي بلد الصحافة الأكثر سعادة لأن لدينا 160 جريدة... تقول أي كلام. صحيح
إنه بالاعتماد على مثل هذا المعيار، كتابة أي كلام، نستطيع فعلا أن ندعي بأننا على
رأس القائمة.
لسماح الثدخل في راديو كورونا . انقر هنا |
يبقى أن "الوانتوثريزم" حديث
نسبيا، في حين أن الحڨرة، الازدراء، كراهية الذات، تعود إلى وقت أبعد. مقولة
"اضربو يعرف مضربو" المشينة التي سمعناها تتردد مؤخرا هي أكثر من مجرد
انزلاق أو انحراف في الخطاب العمومي. هذا يعود إلى آثار قديمة نجدها في النظام
الاستعماري الذي تحدثت عنه سهام الثلاثاء الماضي في استحضارها الجميل لفرانز فانون
ومفهوم الاستلاب.
مناضلون من الحركة الوطنية كانوا يُصدمون
بعمق بتلك الصيغ الانهزامية التي كانت تدعوهم إلى التخلي عن أي إرادة في تغيير
الأوضاع. "أنتم عاجزون عن صنع إبرة وتريدون طرد فرنسا!" . إنها متلازمة
الإبرة الشهيرة التي تقدم على أنها عصية على الحل والتي تعود في سرديات عديدة.
ومع هذا فقد فعلوها، كما روى ذلك، زميلي الممتاز قاسي عبد مزيم، في شهادته
المدونة عن عبان رمضان. بعد اعتقاله في سنة 1950 في قضية اكتشاف المنظمة الخاصة،
تم إطلاق سراح عبان في جانفي سنة 1955 وفرضت عليه الإقامة الجبرية في عزوزة.
بالطبع، لم يبق هناك. وإليكم وصف قاسي عبد مزيم لتلك اللحظة: "بعد خروجه من
السجن، عاد عبان رمضان إلى القرية. جدي آكلي كان دائم الانتقاد لادعاء ابن أخيه
السعي إلى طرد الفرنسيين- كان يقول له كيف ستفعل ذلك؟ برجمهم بقطع الكسرة اليابسة؟
أفترض بأنه أيقن للتو بأن عالمه سيتغير وأن إيرومين (الفرنسيين) سيعودون، بطريقة
أو بأخرى، إلى ديارهم".
خلال عقود الاستقلال، ترافق الإنكار الدائم للمواطنة مع عملية منهجية لتشويه
الجزائري. وقت طويل، غامض بانتكاساته، بأصحاب نزعة المراجعة التحريفية الخبيثة
للتاريخ وخاصة بعملية منهجية لضرب المعنويات.
منذ بداية الحراك زاد احترام الجزائريين لأنفسهم. ويعود ذلك إلى المقاومة التي
كانت موجودة لعملية تقويض الإرادات تلك التي وصلت إلى اختزال الجزائريين في كونهم
مجرد جهاز هضمي- وأصحاب هذا الطرح يصرون على القول بأن كلمة جزائريين Algériens تتضمن rien التي تعني
"لاشيء"- وينزلون الجزائريين إلى مرتبة دون الإنسانية بتعميمات متعسفة
ومهينة، بل وحتى عنصرية.
روح المقاومة هذه، كثيرا ما التقيت بها. لا زلت أذكر حادثة جرت سنة 2012، أي
سبع سنوات قبل انطلاق الحراك. حدث عطب أدى إلى توقف الميترو الذي كان قد بدأ
تشغيله قبل وقت قصير. كانت مشكلة متعلقة بالكهرباء. بعد فترة حيرة، حصلنا على حزمة
ردود الفعل التقليدية: قال البعض إن هذا يحدث في كل مكان، آخرون شككوا في التفسير
الذي قدمه أعوان الميترو الذين أكدوا بأن المشكل لدى سونلغاز، وهو ما كان صحيحا
بالفعل.
باختصار، خلال نحو عشر دقائق من الانتظار، كان المسافرون يتحدثون بمرح، كان
نقاشا وديا. بعدها جاءت لحظة الانزلاق المبتذل نحو تحقير الذات، الذي يزعم أن
الجزائريين "بطبعهم" عاجزون، ولا كفاءة لهم، وغير مؤهلين للحداثة. هذا
الانزلاق جاء من رجل أربعيني، بمظهر جيد، قال بحماس: "لا يجب أن نغطي الشمس
بالغربال، لو لم يرحل آلان، لسارت الأمور بشكل جيد".
بعد لحظة من الذهول، اقترب منه شخص وقال له بصوت عال جدا: " أنت تقول
حماقات، لو بقي آلان هنا، كما تقول، فليس مؤكدا أن تكون قد بلغت سن الأربعين. ولو
حدثت معجزة، ونجوت من الأمراض، والبؤس، ولم يأكلك البق، فلم يكن ليتسنى لك أبدا أن
تدخل مدينة، فضلا عن أن تركب الميترو. لو لم تكن مغفلا، كان عليك أن تشكر علي ليل
نهار لأنه حمل السلاح انتصارا لكرامتك بدل أن تأسف على رحيل آلان، دون أن تعرف ما
يعنيه ذلك".
في النهاية، لم يستأنف الميترو سيره، طلب منا الخروج، ختموا تذاكرنا لنتمكن من
استخدامها مرة أخرى. قطعت شوطا من الطريق برفقة الرجل الذي كان يستشيط غضبا من
أولئك الذين لا يكفون طول الوقت عن مهاجمة الجزائريين بصفة تعميمية بـ "عقلية
المستعمرين".
"معقدون ينغمسون في تحقير الذات وباستثناء النميمة، لا يفعلون شيئا على
الإطلاق من أجل التغيير" كما قال لي. "وكأنهم يريدون من علي أن يشعر
بالذنب لأنه طرد آلان. هنا استعمل صيغة يستخدمها بن عدودة لكنني لن أكررها، قبل أن
يختم : "يمكنهم الانتظار!".
اليوم، مثل الأمس، يواصل علي المقاومة. إنه قدره، إنه مصيره. وبصرف النظر عما يقال، الوقت يعمل لصالح علي. علي الصبور، علي الصلب، علي المتجذر في الأمل والإيمان بوطنه…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - خلال الحصة قدم مهدي ضحاك الرواية الأكثر ترجيحا عن ميلاد
عبارة وان تو ثري فيفا لالجيري، وهي تعود إلى سنة 1974 أثناء مباراة جمعت الفريق
الجزائري بالفريق الانجليزي / شيفيلد يونايتد/. وقد فاز الفريق الوطني ب3/1.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire