vendredi 5 juin 2020

المشاؤون والغزاة واليد الاجنبية

إإذاعة كورونا الدولية مؤامرة، "مؤامرة زرڨة".  بموافقة عبد الله  بن عدودة وجميع الضالين، هنا وهناك، الذين يساهمون فيها، أتولى مهمة وضع لائحة الاتهام. وبما أن الحراك "مبارك" رسميا وسيتم إدراجه في ديباجة الدستور، سنحرص على القول بأن إذاعة كورونا مدانة بالدفاع عن الـ "نيو- حراك"، أنتم تعرفون هذا الشيء الغريب، هذا الكيان الغامض الذي يغزونا على حين غرة والذي تقف وراءه المنظمات غير الحكومية والمخابر الأجنبية المشبوهة.

الأدلة التي تدين إذاعة كورونا قطعية: بن عدودة والمتواطئون معه في الخارج والداخل يتميزون بروح دعابة خبيثة تقوض حصون الوطن. إنهم لا يدخرون وسيلة، وحتى المسرح الإغريقي القديم يستعمل كأداة لبعث رسائل مشفرة من وراء "السجرة..."، ناهيك عن النشاط التخريبي الذي تقوم به الطبيبة النفسانية الوطنية سهام بنبشها فيما لا يمكن تصوره...
 الأدلة الدامغة كثيرة.. المسؤول الأول لإذاعة كورونا، فضلا عن كونه يتقاضى راتبه بالدولار وليس بالدينار، يقيم في مدينة بروفيدانس الأمريكية. صحيح أن بروفيدانس تبعد ثمانمائة كيلومتر عن لانغلي (فرجينيا) حيث مقر السي آي إي، لكن هذا لا يعني عدم وجود صلات بينهما. لا تحاول أبدا أن تقول بأن هذا أيضا لا يثبت وجود علاقة بينهما لأن ذلك سيجعلك تبدو ساذجا، وأحمقا، و"مغفلا مفيدا"، ومخربا عن غير قصد.. وكل ما تقدم يشكل التهم الأخف. 
بالمختصر المفيد، إن إذاعة مرحة، تستفيد من خدمات أفضل طبيبة نفسية في المغرب الأوسط، وتسر المستمعين إليها هي بالضرورة إذاعة مشبوهة. فالمعروف أن الإذاعات الوطنية جدا تجعل متابعيها يشعرون بضجر كبير، أو، تجعلهم، كما هو حالي، يتثاءبون من كثرة تكرار الحديث عن المؤامرة التي تحاك ضد الوطن.
 ما قلته عن إذاعة كورونا بالكاد هو كاريكاتوري وهو يعكس طريقة تفكير أولئك الذين لا يكفون عن الحديث عن هذه المؤامرة التي تحاك. القاعدة العامة هي أن من في السلطة هو من يوجه الاتهام في حين يكون المعارض في قفص الاتهام. لكن المتهم هو أيضا، وفي حالات كثيرة، من خسر السلطة، إنه ذلك الغصن الميت من الشجرة الذي يلقى عليه بكل الشرور بما فيها التآمر على المصالح العليا للوطن. 
لا نذهب بعيدا، فضمن نزلاء السجون اليوم أشخاص كانوا بالأمس القريب هم من يقررون من الوطني ومن ليس كذلك. أشخاص كانوا بالأمس يشجبون كل محاولة غير مرخصة للتنفس ( لا تتنفس يا رجل !) ويحذرون من الأيادي الأجنبية والمؤامرات. 
أعترف أنني أجد صعوبة في تناول هذا الموضوع بجدية. مع علمي بوجود مؤامرات فإن التاريخ ليس سلسلة طويلة من المؤامرات. لكن أكبر المؤامرات لا تشبه رواية بوليسية أو قصة تجسس، فلا إثارة فيها، إنها نسقية، هي روتين الأنظمة التسلطية والديكتاتوريات التي تحرم المجتمع من أن ينتظم ضمن أطر حرة مما يضعف آلياته الدفاعية.
 لو أخذنا كمثال بشار الأسد سنجد أنه طبيب عيون لكنه كان في السياسة أعمى: لقد فضل قمع الاحتجاجات السياسية والاجتماعية على الإصلاح، وبذلك فتح منافذ واسعة لكل التدخلات الأجنبية، والنتيجة أننا لا نكاد نتعرف على سوريا اليوم. واضح أن التدخلات الخارجية تصبح ممكنة بسبب عمى البصيرة وانعدام الكفاءة. ليس بسبب المؤامرة، ولكن بسبب التفكك الفصامي والمنحرف للأنظمة التي تعتبر مجتمعاتها قاصرة، وتتعامل معها كتهديد كبير أو كعدو.
 لننظر إلى الولايات المتحدة، وزيران سابقان للدفاع عقبا على رغبة ترامب في استعمال الجيش ضد المتظاهرين: ما قالوه بسيط وقوي: "أمريكا ليست ساحة معركة" و"مواطنونا ليسوا العدو". هذا ينطبق أيضا على متظاهري الثلاثاء والجمعة، إنهم جزائريون يريدون أن يتنفسوا، يحبون وطنهم ولا يتحملون رؤيته متضررا، ومن السخافة اتهامهم بالتآمر. في الحقيقة إن تفاهة عدم الكفاءة وغياب البصيرة، وهذا جوهر الأنظمة التسلطية، هو المؤامرة. 
لنضرب مثلا، في سنة 1994 لجأت الجزائر إلى صندوق النقد الدولي الذي فرض عليها إصلاحات هيكلية، وكان من بين توصيات الصندوق اعتماد التقاعد المسبق للتقليل من عدد الموظفين في الإدارة والقطاع العام. وقد طبقت الحكومة التوصية حرفيا وكانت النتيجة أن أفضل إطارات البلد، الذين هم في العقدين الخامس والسادس من العمر، اختاروا طريق الخروج ليصبحوا متقاعدين شبابا ويهاجروا إلى الغرب لبناء حياة جديدة. بقي هنا الأقل كفاءة، وبعض الكفاءات أيضا اختارت البقاء والمقاومة لكن عددهم لم يكن كافيا. كان قرارا مدمرا لأنه أضعف بشكل كبير بنية تقنية جزائرية تم إنشاؤها وتكوينها جيدا وبصبر خلال العقدين الأولين من الاستقلال. لم يكن ذلك مؤامرة فكل شيء جرى بشفافية، لكن عدم توقع أثر هذا الإجراء يخبر، على الأقل، عن انعدام خطير للكفاءة السياسية والاقتصادية. 
مثال آخر، في سنة 2009، وفي ظل خطاب وطني صاخب تم فرض قاعدة 51/49 بالمائة على الاستثمارات الأجنبية وحق الشفعة في حال التنازل عن الأسهم الأجنبية في الجزائر. في الظاهر يبدو الأمر وطنيا جدا وكان ذلك رد فعل على كون أن شركة لافارج استطاعت من خلال لعبة في البورصة، واستحواذها على أوراسكوم، أن تدخل إلى الجزائر دون المرور عبر السلطات الجزائرية. في الواقع كانت هذه التدابير سارية، وبطريقة محقة في قطاع النفط منذ سنة 1971. ولكن توسيعها في 2009 لم تسفر إلا عن عرقلة الاستثمارات الأجنبية خارج قطاع المحروقات، فمن كان المستفيدون الحقيقيون من هذه التدابير؟ بالطبع هم المستوردون الذين كان لهم موطئ قدم في السلطة. هذا الإجراء الذي أثنى الشركات الأجنبية عن المجيء إلى الجزائر للاستثمار لم يمنع تلك الشركات من تسويق منتجاتها هنا بفضل المستوردين. لم تكن مؤامرة بل خيارا سياسيا، والذي جعله ممكنا هو أن الذين يقررون لا يخضعون للمساءلة.
 في الختام.. لا، إذاعة كورونا ليست مؤامرة. نحن نعرف ذلك جيدا، والذين قد يطلقون هذا الاتهام يعرفونه أيضا. ففي تاريخ الأمم المؤامرات ليست هي الحاسمة، بل الحاسم هو الطريقة التي بها ينتظم البلد، وما إذا كان أولئك الذين يحكمونه يحظون بتزكية المواطنين أم لا. الحاسم هو ضرورة الخضوع للمساءلة، هو الفصل بين السلطات، هو السلطات الموازنة، والحريات. هذه هي الأشياء التي تضيق هامش المؤامرة التافهة التي يمثلها انعدام الكفاءة وغياب البصيرة والحڨرة، خصوصا الحڨرة. ولهذا فإن الجزائريين في الداخل أو الخارج ليسوا غزاة بل بناة.
 

Aucun commentaire: